قناعات أم أقنعة
؟؟
ذكــر أهــل التفسير أن أكثر القصص طــولاً و تكراراً في القرآن هي قصة موسى عليه السلام ؛ و من
أسرار ذلك مشابهة أمته لهذه الأمــة ، و تقارب حال قومه مع حال أقوام هذه الأمة !!
إنها قصة مليئة بالعبر ، زاخرة بالدرر ، و أحــد مشاهد هذه القصـــة ، الازدواجية بين الظاهر
والباطن ، فلما جاءت الآيات متواليات ، و البينات واضحات ، و حصص الحق، ما كـان من فرعون و زمرتــه إلا
أنهم لبسوا الجحود في الظاهر ، مع قناعتهم التامـة بصــدق هـــــذه الآيات " و جحدوا بها واستيقنتها
أنفسهم ظلماً و علوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين ".
واليوم يتكرر هــذا المشهد عشرات المرات ، و يتوالى
الكرات ، كم من قناعـات يخفيها أصحابهــا ، و عقائد يسترها ذووها ، و يلبسون أقنعة مغايرة لها ،
لبغية الفوز بحطام دنيوي ، أو تحقيق مأرب فكري ، أو تزلف سلطوي !!
فلان مــن الناس ينشأ
مـــع التنظيم السري منـــذ نعومة أظفاره ، و يشارك في نشاطات الجماعـــة في المدارس ، و يُولى مجموعة في
الجامعـــة ، و يقتطع مبالــــغ من مرتبـه للحزب ، و ربما بايع المرشـــد ، و يصبح له صيت في الجماعـة ،
و لكن بعد الأحداث الأخيـــــرة ، والفتن المستطيــــرة ، يبدأ يحذر من جماعتــــه ، و ينتقد حزبه ، لا
ندري هل الخوف ، أم سياسة ( قسم يفجر و قسم يستنكر ) ، هل هي قناعات أم أقنعة ؟؟
شخص آخر كان ينتقد دعاة التصوف ، و يرى فعلهم من الخزعبلات ، و صنيعهم من
الجهالات ، و يتكلم في المجالس عن شطحاتهم ، ويحذر منزلاتهم ، التي ينطلق بها من العلم و اليقين ، لما
قرأه و رآه و سمعه عن الصوفية ،و فجأة أصبح اليوم يغازل الصوفية ، و يجلس مع دعاتهم ، و يبرر أفعالهم ،
هل يا ترى لأنهم سلم لمآربه ، أم لبلوغ أهدافه ، هل هي قناعات أم أقنعة ؟؟
و شخص ثالث نشأ في بيئة
محافظة ، يكره التغريب و العولمة ، و الاستشراق والعلمنة ، يدعو للتمسك بالثوابـت الدينيــة ، و يحـــذر
من انحرافات الليبراليــــة، فهو متيقن أن الحرية لا تكون على حساب الدين والعادات الأصيلــة ، و لكن
ماذا حدث له ؟؟
صار يتكلم اليوم في أعمـــدة الصحافة ، وربما في شاشات الإعـــلام
، مطبـــلاً لأفكار الليبرالية ، مبرراً للأفكارالتحررية ، يا ترى هل هو إرضاء لأصدقائه ، أم
مغازلــــــة لمدرائه ، هل هي قناعات أم أقنعة ؟؟
ما أجمل الوضوح و الصراحة ، و ما أقبح التلون
والمراوغـــة ، ورب ضارة نافعـــة ، فكم كشفت الأحداث الأخيرة من خبايا ، وكم سقطت من أقنعة
!!
حفظ الله البلاد والعباد من
شر الأشرار ، ومن كيد الفجار .
كتبه الدكتور / صالح
عبدالكريم
التعليقات :